رجيم رمضان

مكرمات رمضان لا تنقضي فعلا.. فرغم أن شهر رمضان له أثره و ميزته التعبدية على العبد من حيث الإقبال على طاعة الله و ترك ما يغضبه سبحانه و تعالى من أجل الثواب و الأجر، فإن رمضان شهر الصيام له أثر آخر لكن هذه المرة على الجانب الصحي للإنسان.

ومن هنا فالبعض منا يجد في رمضان فرصة مناسبة لتتبع رجيم خاص يسمونه رجيم رمضان.. الغرض منه هو التخلص من الوزن الزائد و من الدهون التي تحيط بالبطن و الأرداف، وتجد الأغلبية من النسا ء هن اللواتي يعطين أهمية أكبر لهذا الرجيم..


رجيم رمضان


فمن المعلوم طبعا أن للصيام فوائد كثيرة على صحة الإنسان النفسية و البدنية ... وأنه عامل مهم في التخلص من مجموعة من السموم التي تراكمت في الجسم بسبب تناولنا لأنواع مختلفة من المأكولات ذات التأثير السلبي على صحة الإنسان، مثل المعلبات و السكريات و الأطباق الدسمة الغنية بالدهون و الوجبات السريعة و سريعة الإضرار بالجسم ...

لكن علينا أن نوضح أمرا مهما و ضروريا، فقبل أن تفكر أو تفكري في رجيم رمضان، على الجميع أن يضع في عين اعتباره أن إخلاص النية و الاعتقاد بأننا نمتثل لأمر الله سبحانه و تعالى في صيامنا وأننا نرجو الثواب والمغفرة و التقرب أكثر إلى الله عز وجل.. وأن هذا هو المحرك الجوهري لحياتنا في رمضان ولهذا نستقبل رمضان... أما تحريف النية و جعل رمضان فرصة لتخسيس الوزن فقط فهذا أمر خطير .. أو نجعل من رمضان فرصة الموائد الغنية و الأطباق اللذيذة المتنوعة فهذا أمر أخطر...

إذن فلنحرص على تجديد النية ثم النية ثم النية..

أما رجيم رمضان أو نقص الوزن أو إزالة البطن ... أو أمور أخرى صحية فلنكن موقنين بأن الإسلام لم يغفل هذه الأشياء أبدا، بل حتى في الصيام فقد راعى ديننا الجانب الصحي لأبداننا و هذا ما سنكتشفه فيما يلي:

اتباع هدي النبي في الصيام و الإفطار سلامة لأبداننا


الإفطار على تمر:


عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من الماء " رواه أبو داود والترمذي .

وما دام أن المعدة و الأمعاء تصبح خالية بعد فترة صيام نهار كامل قد يصل إلى 16 ساعة، فإن أمر إعادة إدخال الطعام إليها يقتضي التعامل بلطف معها قصد تجنيبها أي أضرار تخل بها أو بوظيفتها. وفي هديه صلى الله عليه و سلم نجد أفضل إرشاد، ففي تناول الرطب أو التمر أو الماء ايقاظ خفيف للجهاز الهضمي وتحريك لأعضائه لمعاودة الاشتغال... 


الإفطار على تمر


فكما هو معلوم فإن المعدة في حاجة إلى مادة سكرية سريعة تدفع عنها الجوع كما أنها في حاجة إلى الماء لإرواء العطش.. والرطب و التمر معروفان باحتوائهما على عناصر سكرية مهمة مثل السكريات الأحادية و الثنائية التي يقدر الجسم على امتصاصها بسرعة ملحوظة و في مدة وجيزة فينشط الجسم من جديد و تزول أعراض نقص السكر التي تكون مرتفعة مع قرب الإفطار.

كما أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يعجل إفطاره على هذا النهج ثم يصلي المغرب مباشرة... وفي هذا إعطاء نفس للجهاز الهضمي حتى يستعد لاستقبال الطعام الذي سنتناوله بعد الصلاة.

تأخير السحور:


قال صلى الله عليه و سلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)


وقال أيضا عليه السلام : (عجلوا الفطر وأخروا السحور)


و عن زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلنا: كم كان بينهما قال قراءة خمسين آية.

وهناك عدة أحاديث في الحث على تأخير السحور لما فيه من الخير والبركة:


  • ففيه تقوية الجسم على استقبال نهاره الجديد في الصيام.
  • وفيه فرصة للتقرب من الله تعالى في الثلث الأخير من الليل الذي ينزل فيه الله سبحانه إلى السماء الدنيا.
  • وهو فرصة للاستعداد بنشاط لأداء صلاة الصبح.


وعن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر }

وهو حديث يجب أن نتمعنه كثيرا خصوصا في هذا الزمان الذي أصبح العديد منا يجعل وجبة السحور في وقت يخالف سنة المصطفى عليه السلام، فتجدهم يتسحرون في الواحدة ليلا مثلا ويجعلونها وجبة دسمة ظنا منهم أنهم لن يجوعوا في النهار.. وهو أمر خاطئ من حيث أنهم يرهقون أجسادهم بطول وقت الصوم، و وبالتكليف على المعدة بما لا تطيقه فيجعل أجسامهم غير قادرة نهارا على تحمل مشقة الصيام.

هذا ومن أفضل ما يُتسحَر به التمر واللبن أو الرائب و العسل والماء والخبز... وهي أغذية خفيفة غير مرهقة.
 
و عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { نعم سحور المؤمن التمر }

وقال أيضا عليه السلام : (ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء) يعني في السحور.

ويكفينا من كل هذا أن يقول الصادق الأمين أن السحور بركة.

ما بين الإفطار و السحور .. لا تنتقم من بدنك  !


رمضان كله بركة، ولما فرض الله علينا الصيام فهو أعلم بما نقدر عليه، ولو لم نكن قادرين عليه لما فرضه الله علينا. يقول سبحانه : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). ورسول الله صلى الله عيه و سلم أرشدنا إلى كيفية استقبال الإفطار وفي هذا رحمة بأبداننا، و دلنا على السحور وتوقيته و هو أيضا لمصلحة أبداننا ... فهذا أكبر مؤشر على أننا يتوجب علينا التلطف بأبداننا و عدم إرهاقها بكثرة الأغذية.

شرب الماء:


الماء مهم لأجسامنا، خصوصا و أننا نفقد منه نسبة مهمة أثناء صيامنا، لهذا علينا أن نشرب ما يلزمنا من الماء لتعويض النقص الحاصل.
 

العصائر الطبيعية:


العصائر الطبيعية وليس الصناعية أو التي بها مضافات كيميائية، مهمة للجسم وتساعده على تعويض النقص الحاصل أثناء فترة الصيام، كما أنها باحتوائها على العناصر الغذائية المفيدة من فاكهة و خضراوات، وبأنها تكون سريعة الامتصاص، فإن الجسم سيتفيد منها بشكل كبير، ولن تؤثر على اشتغال الجهاز الهضمي.

عدم الإفراط في الأكل:


يستحسن أن يكون الفطور خفيفا جدا حتى يستعيد الجهاز الهضمي عمله بشكل سليم و للاستعداد لصلاة التراويح بطبيعة الحال. بعد الرجوع من الصلاة يمكن تناول أغذية متنوعة تحتوي على الخضر و الفيتامينات و الحديد و الألياف الغذائية..

ويراعى إعداد طبق معتدل و متوازن و الابتعاد عن كل ماهو جاهز و سريع في الإعداد.. كما يوصى بالتقليل بشكل كبيرما أمكن من السكريات التي ترافق الحلويات التي تصنع خصيصا في رمضان...

كما ينصح بتجنب الأكلات الدسمة و الغنية بالدهون لما في ذلك من تأثير على صحة أجسامنا و على القلب و الشرايين...

يعتبر هذا النهج هو أفضل رجيم رمضان فيه عناية بأبداننا و تخليص له مما يضره وبالتالي التخلص من الوزن الزائد، وفي نفس الوقت الحفاظ على حالتنا التعبدية التي يوجهها الهدي القرآني والسنة النبوية.

ولا ننسى أن نذكر أنفسنا في الأخير أن نهار رمضان هو نهار عمل و اجتهاد و ليس نهار نوم و كسل.. كما أن ليله وقت للقيام و القرب من الرحمان .. فما يلزمنا هو القليل من الصبر لأن فائدته ستعود علينا في الأخير... فما هي إلا أيام معدودات.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بتعليقاتك و نتمنى لك التوفيق