شهر رمضان شهر له
هبته و إجلاله و احترامه و توقيره و محبته الخاصة، خصوصا في قلوب المؤمنين الوجلين
التواقين إلى المغفرة و التوبة و الثواب و الأجر الكبير.
هذا الشهر يستمد
كل هذا التعظيم و المكانة الخاصة من فضائله و خصائصه التي حباه الله بها و
التي تتجلى فيما يلي :
فضائل رمضان و خصائصه:
جعل الله جزاء الصيام في رمضان خاصا به سبحانه و تعالى:
من أعظم فضائل شهر
رمضان أنه شهر الصوم، و ان الله سبحانه و تعالى اختص بمجازاة عبده على صيامه، فلا
يعلم العبد الصائم كم من الجزاء و الثواب قدره الله له.
فبخلاف العبادات الأخرى
التي يعلم بمقدار ثوابها و أجرها و أنها تضاعف من عشرة إلى سبعمئة ضعف بل أكثر،
فإن الصوم لا يعلم ثوابه إلا الله الكريم الجواد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله
عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به... الحديث)
يقول العلماء أن
الله سبحانه و تعالى اختص الصوم بهذا الفضل لأن سائر العبادات ظاهرة بفعلها يطلع
عليه الخلق إلا الصوم فإنه عبادة خالصة لا يطلع أحد على فعله إلا الله عز و جل،
فباستطاعة العبد أن يفعل ما يشاء من المحرمات في خلوته و هو صائم، لكنه يمتنع عن
ذلك لأنه يعلم أن الله العلي القدير يراقبه. فكان هذا سببا لأن يختص الله بجزائه.
وفي حديث آخر : "......يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا
أجزي به والحسنة بعشر أمثالها."
ولما قال تعالى "وأنا أجزي به" فللعبد أن يتصور مقدار الجزاء و
الثواب من رب جواد كريم.
في رمضان تفتح أبواب الجنة و تغلق أبواب النار و تسلسل الشياطين:
يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ
. وفي أحاديث أخرى : وصفدت الشياطين.
بمجرد دخول رمضان تفتح أبواب الجنة و تغلق أبواب النار و تسلسل الشياطين،
فتفيض الخيرات و الرحمات على الصائم، فشهر رمضان شهر الصيام و القيام و تلاوة
القرآن، وفعل الخيرات و ترك المعاصي و المنكرات، وشهر التوبة و الإنابة و المغفرة
و العتق من النيران، وشهر التقرب إلى الله بالأعمال الصالحات، فيه يكون العبد على
جد و اجتهاد غير معتاد، ويضاعف فيه الثواب و الأجر.. أفلا يكون كل هذا سببا لدخول
الجنة و البعد عن النار؟ !
وبكثرة أعمال العبد الصالحة في هذا الشهر، فإنه يقهر الشياطين فتشل و
تسلسل، وما حيلتهم و العباد كلهم على هذا النهج؟ !
رمضان شهر الصوم:
خص الله شهر رمضان بالصوم وهو شرف عظيم، والصوم أحد أركان الإسلام لا يقوم
إلا به، وهو عبادة تكفل الله بثوابه و أجره كما ذكرنا.
كما أن الصوم عبادة تدرب المسلم على الإخلاص في أعماله و تساعده على التحكم
في شهواته و غرائزه ( الجوع، العطش، الجماع)، وهو أيضا سبب من أسباب استجابة
الدعاء و تكفير الذنوب.
والصوم بشرى للصائم، كما في الحديث " لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ : فَرْحَةٌ
عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ".
ثم إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة : "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم
القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن:
منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان"
رمضان شهر القرآن:
قال تعالى في سورة البقرة : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
)
من كبير تفضل الله على عباده أن أرسل لهم خير خلقه و خير رسله محمدا صلى
الله عليه و سلم، وبعثه في أطهر البقاع مكة المكرمة، وجعل يوم اصطفائه في أفضل
الأزمنة و هو شهر رمضان، و أن تجتمع كل هذه الفضائل و تكتمل بنزول أولى آيات كتابه
العزيز.
فكان هذا الانبثاق العظيم والخير العميم للبشرية جمعاء، وازداد شهر رمضانشرفا بأن كان لبنة أساسية في هذا البناء الكبير.
ورغم أن القرآن الكريم نزل متفرقا و عبر سنوات، فقد خص الله سبحانه شهر
رمضان بأن جعله شهر القرآن. بل الأعظم من ذلك أن جعل نزول القرآن الكريم في أعظم
ليالي رمضان و هي ليلة القدر:
"إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ."
"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ.."
فكانت تجليات هذه المكرمة في إقبال المؤمنين على تلاوة القرآن الكريم في
رمضان أكثر من إقبالهم عليه في غيره من الأيام و الشهور، بل حتى الذي بدأ يصلي في
رمضان لينكب على تلاوة هذا الكتاب العزيز. كما تتجلى أيضا في امتلاء المساجد
بالمصلين لسماع القرآن يتلى في صلاة التراويح.
ليلة القدر خير من ألف شهر:
هي سيدة ليالي سيد الشهور، والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر دونها، وهي
الليلة العظيمة التي نزل فيها القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ليلة من حُرم أجرها فقد حُرم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. اختصها
الله سبحانه بتنزيل القرآن الكريم كما اختصها بأن جعل سورة من سور القرآن باسمها و
هي سورة القدر.
في هذه الليلة تتنزل الملائكة إلى الدنيا و على رأسهم سيدنا جبريل عليه
السلام.
وهي ليلة يكتب الله تعالى فيها الآجال و الأرزاق خلال العام.
وهي ليلة السلام لا شر فيها و لا سوء ولا أذى.
وفيها يغفر ما تقدم من الذنوب لمن قامها إيمانا و احتسابا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ : " أَتَاكُمْ
شَهْرُ رَمَضَانَ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ
فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ
مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ
خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " .
العمرة في رمضان كحجة
قال العلماء
العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض.
فما أعظم أن ينال
المسلم هذا الثواب الجليل الذي لن يجده إلا في رمضان.
واليوم نرى ذلك الحشد
العظيم من المعتمرين في مكة المكرمة على الفضائيات و في بث مباشر، فما هو إلا دليل
للهفة العباد للظفر بهذا الخير.
هذه هي أهم فضائل
و خصائص هذا الشهر الكريم، وهناك فضائل أخرى ذات أهمية أيضا، من حيث أن رمضان شهر
يغير سلوكاتنا إلى الأحسن، ويعودنا على تنظيم الوقت و الإحساس بالمحرومين و
الضعفاء، وله أثر ايجابي على صحة أبداننا....
فاغنم قبل فوات
الأوان !
لماذا عليك ان تستعد لرمضان؟
رمضان فرصة العمر
و ربما لن تعوض، لما تقدم من فضائل هذا الشهر الكريم، و كل الخير الذي يحمله يعود
عليك بالنفع، فالإنسان المؤمن غايته هي رضى الله و الجنة، التي لن تتأتى إلا
بالعمل الصالح و الإخلاص و الصبر..
والله سبحانه و
تعالى هيأ لك كل السبل المعينة في هذا الشهر، فتح لك أبواب الجنة لتدخل فهل تأبى؟
وأغلق لك أبواب
النار فماذا تريد؟
وسلسل الشياطين من
أجلك فلماذا تتكاسل؟
وعظم لك الثواب و
الأجر و سخر لك ليلة القدر تدرك بسببها ثواب و أجر عدة أعوام لن تدركها..
بل و الأجمل في كل
هذا أن الله يبشرك بفرحتين ليس لهما مثيل:
" لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ : فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ
لِقَاءِ رَبِّهِ"
وللظفر بخير رمضان عليك أن تعد العدة من قبل أن يحل عليك بشهور أو أسابيع.
فنحن نستعد للامتحان أو مباراة التوظيف بمدة.. فلم لا تكون عزيمتنا أقوى مع
رمضان !؟
فلا تجعل رمضان يلتقيك فجأة !!
كيف كان الصحابة و السلف يستعدون لرمضان؟
كان الصحابة و السلف الصالح يحملون همّ رمضان و يتوقون لبلوغه، لذا كانوا
يدعون الله ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم إياه.
فقد كانوا يستعدون بالطاعات و العبادة و التوبة، لا بالمأكل و المشرب
وأنواع المأكولات و الحلويات و العصائر... و لا يستعدون بليالي الأنس و السمر و
الحفلات و الغناء ... ولا بمشاهدة المسلسلات و الفضائيات..
ولما علم السلف الصالح أن رمضان شهر القرآن أيضا، استعدوا لذلك، فالإمام
مالك كان يترك قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم و يقبل على قراءة القرآن. ومن
السلف من كان يختم القرآن عدة مرات في رمضان.
لماذا كل هذا؟
لأنهم علموا انها فرصة لا يجب أن تضيع !
فاللهم بلغنا رمضان .. و أعنا فيه على الصيام و القيام و تلاوة القرآن.